تقوم علاقات إسرائيل الخارجية على أساس استغلال التناقضات الدولية من أجل تحقيق مصالحها مع الدول التي تعتبرها معادية، خصوصًا إذا كانت تلك الدول عربية. وتعتبر إسرائيل أن الدول العربية هي تهديدات مباشرة لأمنها القومي، ما يعني أنها ستناصر أي طرف غير عربي على نقيضه العربي.
ويدفع ذلك إسرائيل إلى استغلال تلك الخلافات من أجل توسيع نفوذها في مناطق أخرى حول العالم، بما في ذلك الدول الفقيرة من خلال استغلال حاجاتها من أجل التغلغل داخلها، وضمان أصواتها في المحافل الدولية، على حساب الدول العربية التي عادة ما تصوت ضد إسرائيل.
لماذا تندفع إسرائيل إلى إثيوبيا؟
ترغب إسرائيل في تقوية علاقاتها مع دول إفريقيا الفقيرة نسبيًا، بهدف التغلغل داخل القارة السمراء، واستغلال الموارد الطبيعية التي تتوفر فيها بكثرة، دون مقدرتها على استخراجها، أو الاستفادة منها بشكل فعّال. ولذلك، تتجه إسرائيل إلى مثل تلك الدول بهدف السيطرة على الموارد، بحجة تقديم المساعدات التنموية التي ترفع من شأن البلاد، بينما يكون الهدف الحقيقي وراء ذلك استغلال عوز تلك الدول، وتعويض الغياب العربي فيها.
يمكن القول إن إثيوبيا هي إحدى تلك الدول، إذ تنظر إسرائيل إليها على أنها بوابة إلى القرن الإفريقي. وهكذا، قدمت إسرائيل مساعدات كبيرة للبلاد، خصوصًا فيما يتعلق بدعم سد النهضة، على اعتبار أنه من مقومات الأمن القومي الإثيوبي، وأحد عناصر البنية التحتية الهامة لتنمية البلاد.
ويتوقع خبراء بأن فكرة إنشاء السد جاءت بهدف تقليل كمية مياه نهر النيل الواصلة إلى مصر، ما يعني التهديد بتحويلها إلى أرض قاحلة. وكانت حصة مصر من مياه النيل تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب سنويًا قبل بناء السد.
كيف تنظر إثيوبيا إلى إسرائيل؟
ترى إثيوبيا أن إسرائيل تشكل سوقًا للتعاملات التجارية معها، ما يعني أن عمليات التصدير والتوريد ستزداد بشكل كبير، بما يسهم في رفد الاقتصاد الوطني بموارد هائلة، خصوصًا بما يتعلق بمشاريع المياه والصناعات التقنية والأسلحة. في الواقع، تعتقد إثيوبيا أن إسرائيل يمكن أن تكون بمثابة مورد كبير للسلاح، بحكم تفوق الأخيرة في هذا المجال.
وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة الحرب الإسرائيلية، فإن قيمة صادرات السلاح الإسرائيلي إلى الدول الإفريقية بلغت عام 2014 قرابة 318 مليون دولار، بزيادة قدرها 40% عن صادرات عام 2013. إضافة إلى ذلك، يشير مراقبون إلى أن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا في مختلف المجالات تضاعف بقرابة 30 مرة، خلال السنوات القليلة الماضية.
وتجهل إثيوبيا أن تعاملات السلاح الإسرائيلي هي أداة خفية للتطبيع مع دول كانت ترفض في السابق إقامة علاقات مع إسرائيل، على اعتبار أنها دولة استعمارية أنشئت على أراضي الفلسطينيين، بعد قمعهم.
بالنسبة لإثيوبيا، يظل خطر الحروب الأهلية هو الخطر الأكبر الذي يواجهها، ما يعني أنها بحاجة دائمة إلى سلاح، فيما يلعب توفر مورد دائم لها دورًا في شعورها بالأمن تجاه تلك المخاطر. وقد ثبت ذلك خلال النزاع الإريتري الإثيوبي (1998-2000)، الذي حصلت خلاله إثيوبيا على كميات كبيرة من السلاح من إسرائيل. دعمت إسرائيل إريتريا بالسلاح في تلك الحرب أيضًا، بل وفضلتها على إثيوبيا بعد انتهاء الحرب، بسبب موقع إريتريا المطل على البحر الأحمر، حتى أن بعض التقارير تذكر أن إسرائيل أنشأت قاعدة عسكرية في منطقة دهلك على البحر.
مع ذلك، عادت إثيوبيا إلى إسرائيل مع دعم الأخيرة لسد النهضة، ولم تر في علاقاتها مع إريتريا مانعًا من استعادة قوة العلاقات بينهما، لأنها كانت ترى مصلحة مباشرة لها في العلاقات مع إسرائيل. يقول الناشط في مجال الرقابة الشعبية على صادرات إسرائيل من السلاح إيتاي ميكي بأن التعاملات العسكرية إلى العالم لا تقتصر على مبيعات السلاح فقط، وإنما تمتد إلى تدريب الميليشيات والقوات العسكرية، وهو ما يشكل عاملًا إضافيًا لإثيوبيا لاستجداء مساعدة إسرائيل.
استثمار عبر استغلال الحاجة
عام 2013، وقعت إسرائيل اتفاقًا مع إثيوبيا ينص على توزيع الكهرباء المنتجة من سد النهضة، ما يعني أن دعمها لبناء السد سيكون له نتائج مباشرة لإسرائيل، يتمثل أهمها في الحصول على جزء من الكهرباء. وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت أن مشروع السد يعمل على توليد طاقة كهرومائية تبلغ قدرتها 5250 ميجاواط. وهكذا يتضح أن العملية برمتها كانت استثمارًا اقتصاديًا لإسرائيل، تجني من خلاله موارد هائلة على حساب صاحبة الأرض والسد – إثيوبيا.
إضافة إلى ذلك، يستهدف الاستثمار الإسرائيلي في السد السيطرة على الموارد المائية لمصر، بهدف ابتزاز مواقفها السياسية، والضغط عليها فيما يتعلق بمواقفها من القضية الفلسطينية.
ويشير خبراء إلى أن فكرة إنشاء السد جاءت بطلب أمريكي عام 1964، بهدف تقويض مشاريع مصر التي كانت تعتزم إنشاء السد العالي في ذلك الوقت.
كما أن إسرائيل قدمت مشاريع تفاصيلية إلى الكونغو ورواندا لبناء 3 سدود أخرى، كجزء من برنامج لإحكام السيطرة على المياه الإفريقية لصالحها، خصوصًا أنها تعاني من نقص مائي؛ إذ تستهلك 2460 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، لكنها تسعى إلى الحصول على المزيد من المياه بهدف توطين المهاجرين الجدد إلى إسرائيل، وتحقيق الرفاهية المائية لهم، وري قرابة 4 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الصحراوية.