من كوكب الشرق أم كلثوم إلى أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية، مرورا بـ أسمهان وفيروز، ومن ليلى مراد إلى سامية جمال والسندريلا سعاد حسني والشحرورة صباح دون أن ننسى الفنانة داليدا. هؤلاء الفنانات اللواتي نحتن أسمائهن على كتب تاريخ الفن العربي كانت محور المعرض الذي نظمة معهد العالم العربي في باريس. جنبا إلى جنب مع مسيراتهن في مجال الفن، تمكنت هذه الأسماء من إحداث تغييرات عميقة في المجتمع العربي.
اعتبرت أيقونات خالدة ونساء قويات ورموز في المجتمعات العربية ما بعد الحرب. رسخت هؤلاء الفنانات ذات المهن الاستثنائية وجودهن من القاهرة إلى بيروت ومن المغرب إلى باريس مجسدات فترة من الازدهار الفني والفكري. كما قدمن صورة جديدة للمرأة العربية وكذلك التجديد السياسي الوطني الذي تم التعبير عنه منذ بداية العشرينيات، ولا سيما في مصر وحتى السبعينيات.
يسلط المعرض الضوء، من خلال هذه هؤلاء الفنانات على التاريخ الاجتماعي للمرأة العربية ومكانتهن في هذه المجتمعات الأبوية، ومشاركتهن في القومية العربية وفي النضالات من أجل الاستقلال من الاستعمار. بالإضافة إلى دورهن المركزي في المجالات الفنية المختلفة التي ساهمن في إحداث ثورة فيها.
يدخل الزوار معرض الأيقونات العربيات من خلال ستارة طويلة من الخيوط عرضت عليها صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود. أضفت التقنيات التكنولوجية المستخدمة عليها روحا لهذه الصور القديمة. أم كلثوم، وردة، فيروز، سامية جمال، أسمهان وداليدا. تبدو وجوههن منبثقة من الماضي لتروي لنا قصصًا بعيدة، قصصهن التي خلال ذروة النهضة بداية من أواخر القرن التاسع عشر حتى وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في العام 1970.
في خضم العروبة، استولى رواد المشهد العربي، الذين كانوا يحلمون بالتحرر، على المسارح ومواقع تصوير الأفلام. في القاهرة على وجه الخصوص، بدأ كل شيء بظهور الملاهي التي قدمت فيها منيرة المهدية، أول مسلمة ظهرت على خشبة المسرح أداءً ملحوظًا. كما أسست بديعة مصابني (1892-1974) مسارح العرض وفتحتها لعروض راقصات الرقص الشرقي، رقصة الخصوبة التي كانت منتشرة عند الأسلاف. في هذه الفترة قامت الراقصات بتحديث حركات الرقص الشعبي من خلال إدخال الإحساس والإثارة عليه وجعله فنا شعبيا. ودعمت هؤلاء الفنانات الفاتنات، بأزيائهن المتلألئة أيضًا تطوير السينما المصرية التي لقبت حينها بـ "هوليوود على النيل".
المغنيات في حقائب المخمل
في هذه الفترة اعتمد الغناء بشكل كبير في الأفلام، وولدت النجومية الشرقية وأخذت منتجاتها تجذب إلى القاهرة. منذ العشرينيات، توجه فنانون عدة من جميع أنحاء الوطن العربي إلى أم الدنيا. كما كان الحال مع أسمهان، التي نافس صوتها الكريستالي الحزين اللامتناهي صوت أم كلثوم، لدرجة أن الشكوك حامت حولها لبعض الوقت في الوقوف أمام عملية قتلها. شقيقة فريد الأطرش كانت أميرة جبلية من سوريا، تخلت عن عرشها وتوجهت نحو القاهرة لعيش فنها.
كانت أسمهان ممثلة ومغنية وجاسوسة، كما ترويه الحكايات، وأم، توفيت في حادث سيارة غامض عن عمر ناهز 29 عامًا. يقع الجزء المخصص لها في المعرض في مساحة تشبه كثيرا كتب الروايات السوداء.
على مساحة 1000 متر مربع تربع معرض الأيقونات وخصص لكل فنانة جناحا خاصا بها. ومن المفارقات، أن المساحة المخصصة للعملاقة أم كلثوم كانت خلف ستارة حمراء مخملية، في مساحة مريحة تحاكي الأجنحة الخاصة في المسارح.
المغنية، ابنة إمام من الريف المصري، يمكن التعرف عليها بسهولة من خلال نظارتها الداكنة ووشاحها الذي لا يفارق يدها ووصلاتها الغنائية التي تستمر لفترة طويلة جدًا. كانت كوكب الشرق كما لقبت، أول امرأة في العالم العربي تصنع مسيرة فنية ضخمة. جزء من الغموض الذي حام حول حياتها ترفعه بعض الصور ونسخ المتعلقات الشخصية الخاصة بها المعروضة. مقتطفات من أغانيها الخالدة ومقابلاتها الصحفية يظهر مدى عظمة الالتزام السياسي والقومي لمن توقفت عن الغناء بعد وفاة الرئيس عبد الناصر.
نفس الأجواء تسود المساحة المخصصة لأميرة الطرب العربي وردة الجزائرية. بدأت وردة حياتها الفنية عندما كانت طفلة صغيرة تعيش في باريس. طرد والديها اللذان كانا يمتلكان ملهى ليلي بعد أن اتهمتهما السلطات الفرنسية بتوفير وتسليم الأسلحة لمناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
حقائب السفر الخاصة بها وجوازات سفرها توضح مسيرة حياتها. جناح وردة في المعرض يبين أن مهن هؤلاء المطربات ارتبطت أحيانا بالمنفى والذي يمكن أن يكون حتى داخليا أيضا مثل فيروز.
توضح أغلفة الألبومات وملصقات الأفلام والحفلات الموسيقية والمقاطع الموسيقية في جناح فيروز مسيرة الفنانة التي ظلت وفية للبنان. وما يثبت هذا الوفاء الذي لازمها توقفها عن الغناء عندما هوت البلاد في الحرب الأهلية وعاودت إليه حين ضمد لبنان جراحه.
من الفجر حتى الغسق
المغنية الأخيرة التي ختم بها المعرض هي بالطبع داليدا. من أصل إيطالي، ولدت في القاهرة في العام 1933. بدأت داليدا مسيرتها السينمائية في فيلم "سيجارا وكاس" (كأس وسيجارة) حيث جسدت دور الراقصة سامية جمال. يعود المعرض إلى الجزء المصري من حياتها وينتهي بفيلم اليوم السادس ليوسف شاهين، حيث لعبت الدور الرئيسي قبل أشهر قليلة من انتحارها في العام 1987.
تشير وفاتها، وفقًا للتسلسل الزمني الذي رسمه القائمون على هذا المعرض، إلى نهاية حقبة بارزة. الثنائي اللبناني رندا ميرزا ووائل قديح يسدلان ستار معرض الأيقونات بتركيب على شكل صور ثلاثية الأبعاد، نرى جليا العملاقة تحية كاريوكا وسامية جمال ترقصان على أنغام موسيقى ساحرة مؤلفة من مقطوعات مأخوذة من أفلام مصرية.