يرى مراقبون أن مجلس الأمن لن يأتي بجديد إلا إذا وافق على مشروع القرار الذي تقدمت به تونس والذي حدد سقفا زمنيا للتفاوض وتوقف الملء أثناء المفاوضات، ما عدا ذلك فإن الجلسة المرتقبة لا تتعدى تسجيل موقف من جانب مصر والسودان، وأن المرحلة المقبلة لن تكون بداية لعمل عسكري ضد السد، لأن السد ليس حجر أو بناء فقط وإنما هو مجموعة من القروض للعديد من الدول والمؤسسات العالمية، وربما مواقف المقرضين هي من تقف وراء هذا التعنت الإثيوبي، لذا لا يجب أن تواجه مصر والسودان مصالح تلك الدول بشكل مباشر، بل عليها أن تستعمل سيناريوهات أخرى وهي كثيرة لكي تصل إلى أهدافها.
بداية يؤكد وكيل المخابرات المصرية الأسبق، اللواء محمد رشاد، أن "أي قرار من مجلس الأمن لا ينص على وقف الملء الثاني لسد النهضة، هو في غير صالح مصر والسودان ولا يمكن انتظاره، ولا بد أن نتحرك من أجل منع إثيوبيا من الوصول مرة أخرى إلى المراوغة، لأن أي مدد إضافية من أجل التفاوض هي لصالح أديس أبابا، ونحن في أشد الحاجة الآن للضغط عليها من أجل أن تذعن للمطالب المصرية والسودانية بطريقة أكثر فاعلية من قرارات مجلس الأمن".رفض التفاوض مجددا
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن "مصر قد ترفض أي مفاوضات جديدة "من وجهة نظري"، لأننا قضينا أكثر من 10 سنوات في التفاوض ولم نلمس أي مرونة من الجانب الإثيوبي، لذلك لا أرى أنهم يمكن أن يغيروا مواقفهم إلى ما يرضي كلا من مصر والسودان، ويجب أن يكون معلوم للجميع أن سد النهضة يقام بقروض، تلك القروض تقف وراءها دول، وقد أعطت تلك الدول هذه القروض في توقيتات كانت الأمور هادئة عقب توقيع اتفاق المبادئ في العام 2015، لذا علينا البحث عن أسلوب آخر من أجل الحصول على حصتنا المائية بوسائل أخرى غير تقليدية مثل عمليات تخريب السد والتدخل في الدوائر الإلكترونية".
وأشار وكيل المخابرات إلى أن
"مصر يمكنها الحصول على ما تريد دون تدمير السد، وبذلك لا ندخل في مواجهة مع المقرضين، تلك هي الناحية العقلانية والتحليلية من وجهة نظري، ويجب أن ندرك أننا لا نتعامل مع جسم السد على أنه حجر أو مباني وإنما هو قروض للعديد من الدول بما فيها البنك الدولي، لذا يجب علينا السعي بعدم الدخول في مواجهة مع أصحاب أو ملاك القروض".
من يقف خلف إثيوبيا
وأوضح رشاد أن "إثيوبيا تتعنت منذ البداية بشكل غير منطقي، وهذا الأمر يؤكد أنها تستند إلى العديد من الدول، وأكرر أن على مصر والسودان أن تتحاشى الدخول في صدام مع مانحي القروض، لذا فإن من ينادون بضرب السد لا يعرفون من يقف وراء هذا العناد الإثيوبي، وأي قبول لعملية تفاوض جديدة ستكون تكرار للماضي وفرصة لإثيوبيا لكي تعزز موقفها".
المطالب المتاحة
وفي السياق نفسه، يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير جمال بيومي إنه "وفقا لمشروع القرار المقدم من تونس إلى مجلس الأمن والمطروح للتصويت عليه، هو أقصى ما يمكن طلبه من المجلس في المرحلة الحالية، فلا يمكن أن نطلب من المجلس أن يأمر إثيوبيا بالتوقف عن الملء، فالموضوع لا يتعدى مناشدة إثيوبيا بالتوقف عن الملء طوال فترة التفاوض الواردة في مشروع القرار التونسي".
وأكد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الهدف من الخطاب أو المذكرة المصرية لمجلس الأمن هو تسجيل موقف، لكن المصريين متعجلين ويريدون الذهاب إلى إثيوبيا لضرب السد، الأمور لا تسير بهذا الشكل، هذه سياسات يجب اتباعها من حيث تسجيل المواقف، وهناك حالتين إيجابيتين إذا تمت الموافقة على القرار التونسي، لأنه يدعو إثيوبيا إلى التوقف عن الملء أثناء المفاوضات، علاوة على أنه وضع سقف للتفاوض ومدته ستة أشهر، علاوة على أن المفاوضات التي ينص عليها القرار ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لذا لن تكون الأمور بنفس الشكل السابق.
الموقف السوداني
وحول إمكانية تأثير إثيوبيا في الشراكة المصرية السودانية، قال بيومي:
"من يتحدثون على إمكانية تغيير الموقف السوداني غير مدركين لحقيقة الموقف السوداني المتطابق مع الموقف المصري، فالخرطوم متضررة كما هي مصر، الأمر لا يتعدى بعض التصريحات التي يكون بها تحيز، لكنها لا تعبر عن الوجهة الرسمية، هذا الأمر لا يؤثر على الذين يقرؤون الأمور بعيون بها خبرة".
ودعت إثيوبيا، أمس الأربعاء، دول أعالي حوض النيل لتشكيل ما وصفته بجبهة ضد التحركات المصرية والسودانية بقضية مشروع سد النهضة الإثيوبي، قبل ساعات من جلسة بمجلس الأمن دعا إليها البلدان اعتراضا على تنفيذ أديس أبابا للملء الثاني للسد.
وجاء في بيان الخارجية الإثيوبية أن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي موكنن حسن، التقى في مكتبه سفراء ودبلوماسيين دول حوض نهر النيل لدى إثيوبيا لإطلاعهم على آخر تطورات مفاوضات سد النهضة.
كما دعا الدول الواقعة على أعالي حوض النيل إلى "تشكيل جبهة مشتركة لمعارضة النهج الذي تتبعه دول المصب، والذي يقوض الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي ويؤكد المطالبات الاستعمارية والاحتكارية للبلدين بشأن هذا المورد المشترك".
كما أكد الدبلوماسيون أن مجلس الأمن الدولي ليس لديه تفويض لاتخاذ قرار بشأن سد النهضة الإثيوبي، وفقا للبيان.
وقالوا إن مفاوضات سد النهضة كانت في أيدي الاتحاد الأفريقي القادرة حتى الآن، والتي ينبغي تشجيعها بشكل أكبر، مؤكدين أن جميع الأطراف المتفاوضة يجب أن تسعى إلى حلول سلمية في إطار العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي بالالتزام بمبدأ إيجاد "حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية.
وأعلنت وزارة الري المصرية، الاثنين الماضي، تلقيها خطابا رسميا من نظيرتها الإثيوبية، يفيد ببدء الملء الثاني لخزان سد النهضة، لافتة إلى أن القاهرة وجهت خطابا رسميا لإثيوبيا إخطارها برفضها القاطع لهذا الإجراء الأحادي.
ووجهت الأمم المتحدة دعوة إلى إثيوبيا والسودان ومصر، الثلاثاء الماضي، لتجديد الالتزام بمسار التفاوض في أزمة سد النهضة، داعية الدول الثلاث إلى تجنب أي عمل أحادي.
ونقلت "رويترز" عن ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الأخير يؤيد دور الاتحاد الأفريقي في الوساطة بين الدول الثلاث.
وتأتي دعوة الأمم المتحدة، بعدما أخطرت إثيوبيا، مصر والسودان رسميا، بالبدء في الملء الثاني لسد النهضة، وهو ما اعتبرته الدولتان خرقا للقوانين الدولية والأعراف، وانتهاكا لاتفاق المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015.
ومن المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي في جلسة مرتقبة، اليوم الخميس، بطلب مصري سوداني، أزمة المشروع الإثيوبي، في ما ترى أديس أبابا أن مجلس الأمن غير مختص بنظر الملف، متهمة دولتي المصب بمحاولة حرمانها من حقها في الاستفادة من مياه النيل.
وبدأت إثيوبيا في إنشاء سد النهضة في 2011 بهدف توليد الكهرباء، ورغم توقيع إعلان للمبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 ينص على التزام الدول الثلاث بالتوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل السد عبر الحوار، إلا أن المفاوضات لم تنجح في التوصل لهذا الاتفاق.
وفيما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، تخشى السودان على أثر السد على تشغيل السدود السودانية.