حذر قادة سابقون في منظومة الأمن الإسرائيلية من خطورة كشف صور عالية الدقة لمفاعل ديمونا في صحراء النقب ولقواعد عسكرية سرية.
وبدأت شبكة "Google Earth"، اعتبارا من أمس الخميس، بعرض صور للمفاعل النووي في "ديمونا"، مع خيار لتغيير الأبعاد لتحسين دقة الصورة ورؤية المفاعل عن قرب.
وقال جيورا آيلاند رئيس أركان الأمن القومي السابق في إسرائيل: "المعلومات التي يبدو أنها لم تعد سرية تجعل دولة إسرائيل مكشوفة بشدة للعدو"، بحسب ما أورده تقرير موسع لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
وعلى موقع ويب MapBox، وهو مجاني للدخول، يمكنك فحص المفاعل في ديمونا، بالإضافة إلى القواعد الكبيرة والمركزية، بعدما كانت تظهر كنقط مبهمة على الخريطة.
والعام الماضي، وقعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على أمر يسمح بزيادة دقة صور الأقمار الصناعية في إسرائيل من 2.0 (كل بكسل يمثل مترين) إلى 0.4.
وإضافة إلى مفاعل ديمونا، بات بالإمكان للجميع، مشاهدة القواعد الجوية الإسرائيلية نفاتيم وتل نوف وحتسور والطائرات المقاتلة والطائرات الأخرى على مدارج الطائرات. وفي قاعدة بلماحيم، يمكن رؤية مروحيات القوات الجوية الإسرائيلية بوضوح.
وقال آيلاند، الذي كان أيضا رئيس قسم العمليات ورئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي إن زيادة دقة صور الأقمار الصناعية تعمل في كلا الاتجاهين.
وأضاف: "نحن كدولة نستطيع معرفة ما يحدث في سوريا ولبنان وايران وأي مكان كنا مهتمين به دون أن نكون خاضعين لعوامل خارجية لأن هناك أقمار صناعية إسرائيلية بتقنيات تسمح برؤية صورة واسعة".
واعتبر أن إسرائيل الآن باتت مكشوفة هي الأخرى لتلك الدول، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة، مضيفا: "إذا حلقت طائرة إسرائيلية فوق إيران، سيقولون إن إسرائيل تنتهك المجال الجوي".
ومضى المسؤول الإسرائيلي السابق: "كلما رأيت بمستوى دقة أفضل، زادت قدرتك على تحديد الأشياء التي لم تكن قادرا على تحديدها من قبل، مثل السيارات والملحقات الأصغر حجما".
وتابع: "دقة الأقمار الصناعية لا تحسن من دقة إطلاق النار لكنها قادرة على إعطاء العدو معلومات حيث توجد أهداف أكثر أهمية، وبالتالي حتى المعلومات التي يبدو أنها غير سرية، تجعل دولة إسرائيل مكشوفة بشدة للعدو وهذا الأمر إلى حد كبير خارج سيطرتنا".
وقال آيلاند إن أعداء إسرائيل المباشرين (يقصد "حزب الله" وفصائل المقاومة الفلسطينية)، ليس لديهم أقمار صناعية، لكن يمكنهم استخدام الأقمار الصناعية الإيرانية.
ورأى أن طريقة التعامل مع زيادة دقة صور الأقمار الصناعية تتمثل في إخفاء الأدوات الاستراتيجية.
ومضى في هذا الصدد: "الأشياء السرية التي لا تريد أن يعرفوها، عليك وضعها في أعماق الأرض أو في الأنفاق، وبهذه الطريقة لا تكون مرئية ولا يمكن المساس بها. الافتراض هو أن كل ما هو مرئي فوق السطح، ويمكن تحديده".
وفي فبراير/شباط الماضي، سمح الأمر المتعلق بزيادة دقة صور الأقمار الصناعية لوكالة أنباء "أسوشيتد برس" بنشر صور جديدة للمفاعل في ديمونا قدمتها لها شركة أخرى هي "بلانيت لابز"، وكانت صور المفاعل بدقة 0.5، أقل بقليل من أعلى دقة مسموح بها.
من جانبه، يقول يعقوب عميدرور، الذي شغل أيضا منصب رئيس أركان الأمن القومي الإسرائيلي، إن هناك ثلاثة أنواع من المخاطر في زيادة دقة صور الأقمار الصناعية.
وأضاف موضحا: "الخطر الأول هو أنه عندما يتعلق الأمر بالأسلحة الدقيقة والتي باتت بالفعل أكثر دقة في أيدي أعدائنا، كلما كانت الصورة أكثر وضوحا لديهم للهدف، كان بإمكانهم التصويب على أهداف محددة بشكل أفضل. وكلما زادت القدرة على إلحاق الضرر بشكل أكبر".
وتابع: "الخطر الثاني هو أن المنشآت التي كانت حتى الآن مجهولة ولا يعرف ما كان فيها وما لم يكن، بمجرد وجود صور دقيقة للغاية، يمكن فهم ما تحتويه بشكل أفضل، مما يتيح للعدو تحسين تحليل الجانب المصور".
وقال عميدرور: "يشكل هذان الخطران ضررا استخباريا وعملياتيا".
الخطر الثالث، بحسب المسؤول الإسرائيلي السابق، الذي يعتقد أنه الأقل خطورة، هو جعل الأدوات المختلفة مكشوفة بشكل أكبر. "بمجرد وجود دقة عالية- من الصعب إخفاءها، فكل شيء ينكشف".
على الرغم من المخاطر التي تنطوي عليها زيادة دقة صور الأقمار الصناعية، يجادل عميدرور بأنه لا يوجد سبب للقلق: "عليك أن تفهم أنه مثل الكثير من الأشياء في التكنولوجيا، لا يمكنك الاختباء ولا يمكنك فعل أي شيء. إنه شيء لا مفر منه".
وأوضح: "هذه مرحلة في تطور التكنولوجيا... حاول الأمريكيون منع زيادة الدقة طالما لم يكن هناك بديل أمريكي، ولكن بمجرد زيادة الدول الأخرى، لم يكن لديهم خيار آخر".
عاموس جلعاد، الرئيس السابق لشعبة الأمنية- السياسية بوزارة الدفاع، يقول إن الحديث يدور عن خطر حقيقي على إسرائيل.
وقال: "على عكس ما كان عليه الحال حتى الآن، فإن أي كيان لديه القدرة على فك رموز أو قراءة صور الأقمار الصناعية، وهو ليس بالأمر الصعب، يمكنه الحصول على معلومات عن أهداف استراتيجية أو عسكرية قيمة في إسرائيل في أي مكان في العالم دون الحاجة إلى نظام (تجسس) خاص به".
وتابع: "إنه تحد متزايد مع تحسن صور الأقمار الصناعية- تمكين جميع أنواع الأشخاص أو المنظمات الإرهابية من الوصول إلى المعلومات دون الحاجة إلى استثمار كبير".
من جانبه، قال رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم: "يمكن للعدو استخدام الأقمار الصناعية المدنية التي يمكن لأي شخص استخدامها لجمع معلومات استخبارية. ونتيجة لزيادة الدقة، يمكن للعدو التحديق عبر القمر الصناعي في أشياء لم يكن يرها من قبل".
وأوضح: "سوف يرى العدو تلك الأشياء أكثر وضوحا وسيكون قادرا على اكتشاف أي شيء أكبر من 40 سنتميترا".
وبحسب ياتوم، لا تؤثر زيادة دقة صور الأقمار الصناعية بشكل كبير على الوضع الأمني الإسرائيلي. وأشار إلى أن طريقة التعامل مع هذه الزيادة هي "الإخفاء والتمويه".
وفي الختام قال ياتوم: "هناك حاجة للقلق، لكن بالنسبة للعدو لا يكفي أن يحددوا الهدف، فهو يحتاج أيضا إلى أدوات دقيقة لضرب الأهداف".